مصادر المهدویة و الغیبة في «کمال الدین و تمام النعمة»
محمد جواد الشبیري الزنجاني
المقدّمة:
الحمد لله ربّ العالمین، و صلّی الله علی سیّد المرسلین أبي القاسم محمد و علی أهل بیته الطاهرین، و اللعن علی أعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین.
أمّا بعد: فقد منعت السلطات الحاکمةبعد رسول الله(ص) من تدوین الحدیث إلی أواخر القرن الأوّل، فحرّموا الأمّة الإسلامیة عن کثیر من المعارف الإلهیة، و قد بقیت آثار ذلک حتی بعد رفع المنع، و قد سری ذلک إلی المجتمع الشیعي، فربما امتنعوا من کتابة الحدیث حتی ردعهم أئمة الهدی(ع) عن ذلک و أمروا بالکتابة و عدم القناعة بالروایة عن ظهر القلب.
ففي کتاب عاصم بن حمید عن أبي بصیر، قال: دخلت علی أبي عبد الله(ع) فقال: أخل عليّ أناس من أهل البصرة، فسألوني عن أحادیث و کتبوها فما یمنعکم من الکتاب، أما إنّکم لن تحفظوا حتی تکتبوا»[1].
و بسند صحیح عن حسین الأحمسي، عن أبي عبد الله(ع)، قال: «القلب یتکل علی الکتابة»[2].
ثم إنّ الأئمة(ع) حثّوا علی حفظ الکتب و نشرها، فعن عبید بن زرارة قال: قال أبو عبد الله(ع): «احتفظوا بکتبکم، فإنّکم سوف تحتاجون إلیها»[3].
و عن المفضّل بن عمر، قال: قال لي أبو عبد الله(ع): «اکتب و بث علمک في إخوانک، فإن متّ فأورث کتبک بنیک، فإنه یأتي علی الناس زمان هرج لا یأنسون فیه إلا بکتبهم»[4].
فهذه الأوامر و التأکیدات کانت من أهم الأسباب لحدوث نهضة تدوین الحدیث من قبل أصحاب الأئمة حتی ألّفوا الکتب و رووا الأصول و صنّفوا التصانیف، و قد وردت أسماء الکتب الّتي ألّفها الأصحاب في کتب الفهارس کرجال النجاشي و فهرست الشیخ الطوسي، و قد ذکر(قده) في مقدمته: «فإذا سهّل الله تعالی إتمام هذا الکتاب، فإنّه یطلّع علی ذکر أکثر ما عمل من التصانیف و الأصول… و لم أضمن أني أستوفي ذلک إلی آخره، فإنّ تصانیف أصحابنا و أصولهم لا تکاد تضبط؛ لانتشار أصحابنا في البلدان و أقاصي الأرض»[5].
و في رجال النجاشي: «و قد جمعت من ذلک ما استطعته و لم أبلغ غایته…»[6].
و في مقدمة تحف العقول إشارة إلی کثرة کتب الأصحاب حیث یقول: «و رأیت من تقدّم من علماء الشیعة قد ألّفوا عنهم في الحلال و الحرام و الفرائض و السنن ما قد کتب الله لهم ثوابه و أغنوا من بعدهم من مئونة التألیف و حملوا عنهم ثقل التصنیف»[7].
و من المسائل التي کثر التألیف فیها من قدیم الزمن مسألة الغیبة و المهدویة، و قد أشار الشیخ الصدوق في مقدمة کمال الدین إلی کثرة ما روي في مسألة الغیبة في کتب المتقدمین من الشیعة؛ إذ قال: «لن ینفع إیمان من آمن بالمهدي القائم(ع) حتی یکون عارفاً بشأنه في حال غیبته و ذلک أنّ الأئمة قد أخبروا بغیبته(ع) و وصفوا کونها لشیعتهم فیما نقل عنهم، و استحفظ في الصحف و دوّن الکتب المؤلّفة من قبل أن تقع الغیبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أکثر، فلیس أحد من أتباع الأئمة إلا و قد ذکر ذلک في کثیر من کتبه و روایاته و دوّنه في مصنفاته، و هي الکتب الّتي تعرف بالأُصول مدونة مستحفظة عند شیعة آل محمد(ع) من قبل الغیبة بما ذکرنا من السنین»[8].
و ممّا یتهمّ به في التحقیقات التاریخیة معرفة تاریخ الخبر، فإذا کان زمان الخبر قریباً من زمن الحادثة اکتسب الخبر اعتباراً خاصّاً، فإنّ وقوع الخطأ لدی النقل یقلّ حینئذٍ، و ربما کان الخبر عمّا یقع في المستقبل فإذا وقع المخبر عنه دلّ ذلک علی صحة الخبر، إذ هو إخبار عن الغیب و لذلک استدلّ الشیخ الصدوق علی صحّة أحادیث الغیبة بوجودها في الکتب المؤلّفة قبل زمن الغیبة، و استنتج من ذلک أنّ رواة هذه الأحادیث حفظوها عن أئمتهم المستحفظین للوصیة عن رسول الله(ص)»[9].
و قد روی الکلینی في الکافي في باب ما جاء في الاثني عشر – و النّص علیهم حدیث الخضر(ع) و شهادته علی الأئمة الاثني عشر، ثم قال:
«حدّثني محمّد بن یحیی، عن محمد بن الحسن الصفّار عن أحمد بن بن أبي عبد الله، عن أبي هاشم مثله سواء. قال محمد بن یحیی: فقلت لمحمّد بن الحسن الصفّار و ددت أنّ هذا الخبر جاء من غیر جهة أحمد بن أبي عبد الله، قال: فقال: لقد حدّثني قبل الحیرة بعشر سنین»[10].
و ربّما توهم من هذا الخبر کونه ذمّاً لأحمد البرقی[11]، و هذا التوهم نشأ من الغفلة عن وجه هذا الکلام.
توضیح وجه الکلام: أنّ محمّد بن یحیی لمّا رأی أنّ راوي الحدیث هو أحمد البرقي الذي کان حیاً بعد الغیبة بأکثر من عشر سنین حیث توفي سنة أربع و سبعین و مائتین أو ثمانین و مائتین[12]، ذکر أنّه لو کان الراوي من مات قبل حدوث الغیبة المعبّر عنها في کلام الصفّار بالحیرة لکان الحدیث أکثر اعتباراً لکونه حینئذٍ إخباراً عن الغیب، فأجابه الصفّار بتحمّله للحدیث عن البرقي قبل الغیبة بعشر سنین أي قبل وفاة الإمام العسکری(ع) في سنة ستین و مائتین.
و کیف کان لم یصل إلینا من الأصول و المصنفات المدوّنة من قبل قدماء الأصحاب إلا القلیل، فحرمنا من کثیر من برکاتها، و کان من أمنیتي من زمن بعید السعي للوصول إلی هذه الکتب من وراء التنقیب و التفتیش في الکتب المتوفّرة لدینا، فبذلت و سعي في ذلک مدة طویلة من الزمن حتی حصلت بحمد لله و منّه علی طرق للکشف عن هذه الکتب، و قد وفّفقني الله أن کتبت مقالین أدرجت فیهما جزءاً یسیراً ممّا وصلت إلیه، و هذان المقالان: الکاتب النعماني و کتابه الغیبة، طبع في مجلة علوم الحدیث، الرقم الثالث، و الشیخ الطوسي و مصادر کتابه تهذیب الأحکام، طبع في نفسه المجلّة، الرقم السادس.
و عندما دعیت إلی الحضور في هذا المؤتمر الشریف خطر بالبال البحث عن مصادر المهدویة و الغیبة في کتاب «کمال الدین و تمام النعمة»[13] لشیخ الطائفة المحقّة الشیخ الصدوق محمد بن علي بن موسی ابن بابویه، فکتبت هذا المقال، و نقدّمه إلی السادة الأعزّاء، نرجو الله سبحانه أن یجعل جمیع أعمالنا خالصة لوجهه، و یفرّج عن الشیعة بل عن البشریة بظهور ولیه و حجته و یجعلنا من المستشهدین بین یدیه.
……